كارثة انخفاض قيمة االدينار العراقي بين الأطراف الأربعة المسببة لها
AM:10:43:11/02/2023
64920 مشاهدة
د.اراس حسين دارتاش
+
-
الحلقة الاولى:
قبل كل شيء، وا آسفا على دولة مثل العراق ، يمتلك لغاية منتصف عام ٢٠٢٢ اكثر من (١٣٠ ) طنا
من الاحتياطي الذهب و تقدمه بمراتب ملحوظة ضمن الدول المالكة للذهب وياتي بالمرتبة الثلاثين عالميا و الرابعة عربيا من حيث مجموع احتياطاته من السبائك الذهبية، و يمتلك الان بحدود ( ١١٥مليار دولار ) كاحتياطي للنقد الأجنبي ، و يمتلك القدرة الفعلية ل( انتاج و تصدير ) اكثر من ( ٤،٥ ) ملين برميل يوميا من النفط الخام، و يقدر دخله النقدي السنوي باكثر من ( ١٠٠ ) مليار دولار و يمتلك طاقات بشرية منتجة ..الى اخره.
مع كل هذا لايستطيع ان يحافظ على قيمة عملته ..!!؟؟.
بلا شك، ان ما يحصل الان من المعاناة لذوي الدخول المحدودة من الشعب العراقي بسبب الانخفاض التدريجي و الحاد لقيمة الدينار تجاه الدولار منذ (٢١ من الكانون الاول،٢٠٢٠م )، و هذا الامر تتحمله الأطراف الأربعة ادناه، كل حسب مستوى تدخله و تاثيره السلبي في تلك المعاناة و دون الدراية الحقيقية بالأحوال المعاشية الصعبة لذوي الدخول الدنيا و المجدودة ، و دون الاكتراث بمصير و مستقبل العراق شغبا و دولة و حكومة، و هؤلاء الاربعة هم:-
أولا - العراق هو نفسه السبب بكافة فعالياته الحكومية و البرلمانية و السياسية.
ثانيا- الصندوق النقدي الدولي.
ثالثا- الحكومة الامريكية.
رابعا- بعثة الامم المتحدة في العراق، و كما هو مفصل كالاتي:
أولا- العراق نفسه السبب وكما يلي:-
١- العراق نفسه، بمبادرة وزير ماليته في حكومة السيد مصطفى الكاظمي حول ضرورة تخفيض قيمة الدينار تجاه الدولار بحجة الإصلاحات و معالجة عدد من الازمات المالية و النقدية و التجارية و الاستثمارية ، و منها أيضا تحسين وضع الموازنة العامة و لدفع رواتب و اجور العاملين في الدولة ومنع تهريب الدولار و غسيل الأموال و المحافظة على الاحتياطي النقد الأجنبي ...الى اخره.
٢- العراق نفسه السبب أيضا ، بموافقة بنكه المركزي على مبادرة وزارة ماليته حول قرار ثحفيض قيمة الدينار العراقي منذ التاريخ اعلاه، واقتناع البنك المركزي بكل حجج و مبررات و دوافع وزارة المالية في حينه بشان تخفيض قيمة الدينار، ان كانت هذه الحجج و المبررات بتوصية من الصندوق النقد الدولي ام لا، و هي صحيحة و موافقة علميا مع النظريات المالية و النقدية و التجارية لدول تعيش في ظروف اقتصادية معينة خاصة بها -لا داعي لذكرها الان- هذه الظروف تختلف عن الظروف التي يعيشها العراق الحالي من السياسية و الامنية و المصرفية المربكة و تواجد مراكز قوى داخلية و خارجية متحكمة فيه و التدخلات الإقليمية و الدولية في شووءنه الى اخره من ظروف استثنائية تجعل من العراق ان يعيش في وضع استثناءي غيرذلك الذي تعيشه دول اخرى ، مع استمرار الازمات الى ما لا يعرف الى متى بالنسبة للعراق، على اي حال، ان هذا الذي حصل في العراق هو خلاف للعرف الاقتصادي السائد ، مفاده ان البنك المركزي للدولة هو الذي يقترح على وزارة المالية مسالة تغيير سعر صرف العملة الوطنية و يستشيرها - وليس العكس- حسب ظروف اقتصادية قاءمة.
٣- العراق نفسه السبب، بمجلس وزراءه و رءيسه عند تاريخ اصدار قرار تخفيض قيمة الدينار، الذي هو الاخر وافق على الامر و اقتنع بمبادرة وزارة ماليته و دون التعمق في النتايج االكارثية التي سوف تلحق بالشعب العراقي كنتيجة للإجراء المذكور ، فلم نجد رفضا رسميا من قبل الحكومة الا الموافقة.
٤- العراف نفسه السبب، ببرلمانه ورئيسه بالموافقة على مبادرة و حجج وزارة ماليته و بنكه المركزي و عدم اجتماعه و لو لمرة واحدة لتسجيل اي اعتراض تشريعي لصالح الشعب بخصوص تخفيض قيمة الدينار، رغم اننا على علم بان القيام بإجراء تخفيض قيمة العملة - كما أشير في الفقرة رقم ٢ اعلاه- هو من صلب اختصاص البنك المركزي، وليست الوزارة المالية، حيث يستشير البنك المركزي وزارة المالية بخصوص تخفيض قيمة العملة و ليس العكس، كما هو الحال في العراق، حيث تتدخل الوزارةالمالية في ممارسة صلاحيات البنك المركزي وتفرض عليه ضرورة القيام بإجراء تخفيض قيمة الدينار تجاه الدولار منذ التاريج المذكور اعلاه.
كما ان البرلمان العراقي لايمكن له ان يتدخل في اختصاصات البنك المركزي العراقي بسبب استقلاليته قانونا، و ينتهي دور البرلمان بمجرد المصادقة على مرشح الحكومة لتولي منصب رئيس البنك المركزي اصالة، و لكن هذا لايعني ان يبقى البرلمان ساكتا على قرارات و اجراءات المووسسات الحكومية التي تمس الامن الاجتماعي و المعاشى و الثقافي للمواطنين، حيث لم نجد لحد الان اي تحرك فعلي و نافذ بشان النتايج السلبية المترتبة على ثخفيض قيمة الدينار باستثناء بعض المناشدات الإعلامية من قبل البرلمان، بل و غاب هذا الموضوع الحساس في جداول أعمال البرلمان منذ ذلك التاريخ و لحد كتابة هذا الموضوع و لتبريرات غير موضوعية، و لربما بسبب عدم وجود حلول فعلية لمعالجة الازمة، يبقى البرلمان مكتوف الأيدي بهذا الشان و لم نجد اجراءا تشريعيا لرفض اجراء تخفيض قيمة الدينار لصالح الشعب.
٥- العراق نفسه السبب أيضا، من خلال اقتناع زعماء الكتل السياسية المتنفذة ( في الحكومة و البرلمان) بمبادرة وزارةالمالية حول ضرورة تخفيض قيمة الدينار، وذلك عندما تم استشارتهم بهذا الخصوص من قبل الحكومة و قبل اتخاذ قرار التخفيض، حيث لم نجد عمليا اي اجراء او رد فعل موءثر من قبل اي زعيم سياسي متنفذ لرفض قرار تخفيض قيمة الدينار.
٦- العراق نفسه السبب بمؤسستيه القضائية والعدلية التي لم تسجل اي تدخل او اعتراض من قبل (الادعاء العام العراقي) لوقف قرار تخفيض قيمة الدينار الذي سبب الضرر القاتل بالشعب و قى الادعاء العام العراقي ساكتا لحد الان، حيث ان من مهام و واجبات الادعاء العام هو حماية المصالح العامة ومصالح الشعب والعمل على وقف الاجراءات التي يراها بانها تلحق الضرر بالشعب و الدولة .
كل ما سبق يشير بوضوح.. ان العراق نفسه وبكل فعالياته التنفيذية والتشريعية والقضائية والسياسية المتنفذة داخل الساحة العراقية، هو احد الأربعة الكبار المسؤول والمسبب لتخفيض قيمة الدينار العراقي بكل نتائجها السلبية المترتبة والمتواصلة وادخال الاقتصاد العراقي الى مرحلة (التضخم الركودي القاتل) ودون الجدوى.
الحلقةالثانية :
ثانيا- صندوق النقد الدولي ،هو السبب ايضا ذلك عندما كان يفرض على العراق ولا سيما في السنين الاخيرة شروطا نقدية و مالية غير واقعية - باعتبارها شروطا اصلاحية لوضع الافتصاد العراقي ككل - ومن هذه الشروط ، على سبيل المثال لا الحصر، اللجوء الى الاقتراض لدعم الموازنة العامة، الابتعاد عن تشغيل القوى العاملة لدى اللقطاع الحكومي، تخفيض الدعم و الاعانة الحكومية ، و ترك امر تقديم الخدمات للقطاع الخاص قدر المستطاع بدلا من القطاع العام، الى اخره من الاجراءات، لكن اهم من الكل، هو اجبار حكومة الكاظمي من خلال الوزارة المالية على القيام بإجراء تخفيض قيمة الدينارفي التاريخ اعلاه الى( ١٤٥٠ دينار) مقابل دولار وأحذ.
باختصار، من هنا بدات بوادر الكارثة التي ستلحق بالعراقيين بعد تنفيذ قرار التخفيض ، حيث ان الظروف الاقتصادية و السياسية و الامنية و الاقليمية التي يعيشها العراق حالة فريدة لايمكن ان تقارن بظروف تلك البلدان التي يفرض الصندوق الدولي عليها تلك الشروط ، لذلك اصبحت ( الورقة البيضاء الإصلاحية ) التي أعدتها وزارة المالية العراقية لإصلاح الوضع الاقتصادى ( المالي و النقدي و التجارى و الاستتمارى ) بموجب توجيهات الصندوق، دون الجدوى.
حيث ان شروط الصندوق ، عادة تفرض على البلدان التي تفتقر الى الموارد الاقتصادية و يعتمد اقتصادها على الفروض الخارجية على طول الخط.
على اي حال، يعتبر من الغباء الاقتصادي ، ان تقوم دولة مثل العراق، تبلغ قيمة إيراداته النفطية المصدرة بحدود (مائة مليار دولار أمريكي)سنويا، و له امكانية تصدير اكثر من (اربع ملايين برميل من النفط الخام يوميا) بقبول شروط الصندوق الدولي، بتخفيض قيمة الدينار، وخاصة يعتبر ( الطلب العالمي ) على النفط الخام (غير مرنا) باعتباره سلعة ضرورية عالميا و لحد هذه اللحظة ليست لها سلع بديلة بالكامل تستطيع ان تنافسها في السعر و الكمية، كحالة عامة تبقى مرونة الطلب السعرية للنفط الخام المصدر منخفضة ما لم يحصل اي طارىء عالمي، اضافة الى الفقدان التدريجي لتاثير ظاهرة الاحتكار العالمي لشراء النفط الخام، وهذا بالطبع يعود بالنفع على العراق.
حيث لم يكن من الضروري ان يخضع الاقتصاد العراقي الى تنفيذ شروط الصندوق النقد الدولي ، لان العراق لم يفقد بعد منذ تاريخ اجراء التخفيض و لحد الان (ميزته التصديرية النسبية ) من صادراته النفطية، و من خلالها يتحقق للاقتصاد العراقي (معدل نمو سنوي مرغوب للناتج المحلي الاجمالي العراقي) يمكن للعراق من خلاله ان يعالج مشاكله الاقتصادية و منها القيام بطبع العملة بمقدار الزيادة المتحققة في الناتج المحلي الاجمالي السنوي لتلبية حاجة المعاملات الاقتصادية وتمويل الموازنة العامة ورفع مقدار عرض النقد اي الدينار العراقي لتسديد حاجة السوق العراقي، وذلك بدلا من الخضوع لشروط الصندوق.
ثالثا- الحكومة الامريكية من خلال السيطرة و توجيه الرصيد الدولاري العراقي المتحقق عن تصدير النفط الخام، حيث كان هناك اتفاق بين العراق وأمريكا من بعد عام ٢٠٠٣م على ان تودع الأرصدة الدولارية العراقية في البنك الاتحادي الامريكي، من خلال فتح حساب خاص بالعراق، وتحت مراقبة ومتابعة مسارات حركتها الدولية من قبل ما تشبه ( الاستخبارات المالية ) التابعة الخزانة الامريكية، و ذلك لاجل حماية الأرصدة الأجنبية العراقية دوليا ومن عمليات التهريب و تبيض الأموال وحمايتها من السيطرة عليها من قبل المووسسات والشركات التي كانت تطالب الحكومة العراقية بتعويض خسائرها من جراء احتلال العراق لدولة الكويت في عام ١٩٩٠م وغيرها من الحجج والمبررات، لانه كان العراق لايزال في تلك الفترة واقعا تحت طائلة بندي السادس والسابع من ميثاق الامم المتحدة من جهة، ومن جهة اخرى كان العراق بلدا محتلا قانونا في الإطار القانوني الأممي للاحتلال الامريكي و ان الحكومة الامريكية هي مسؤولة قانونا عن ادارة شؤون العراق.
ومنذ تلك الفترة ولغاية أواخر عام ٢٠٢٢م كانت امريكا تصرف النظر عن التحويلات و التبادلات الداخلية والخارجية للدولار التي كان يقوم بها كل من البنك المركزي العراقي والمصارف الأهلية، ومضاربي ومهربي الدولار و عمليات تبيض الأموال بمختلف اشكالها لمدة ما تقارب ( ١٩عاما )، مع العلم ان امريكا بمؤسساتها الاستخبارية المالية و النقديةو التجارية كانت على علم تام بكل ذلك التلاعب بعملة الدولار بل و كانت على علم باخطر من ذلك و معاناة الشعب، إذا فلماذا هذا التغير المفاجىء في السلوك الامريكي بخصوص حجب الرصيد الدولاري العراقي لديها (الان و ليس في الفترة السابقة) الذي زاد من معاناة و ماسي ذوي الدخول المعدومة من الشعب العراقي، الامر الذي جعل من الشعب العراقي ان يحقد على مسووءلي الدولة العراقية و الامريكية معاو كحالة واحدة من تحملهما المسؤولية الكبرى لمعاناة العراقيين، كان من الأجدر بامريكا ان تقوم بهذا الاجراء منذ عام ٢٠٠٣م وليس الان و يعاقب المسووءلين العراقيين الفعليين عن تلك الازمات و ليس الشعب العراقي، و ما أسهل ذلك حيث العراق لا يزال لم يخرج عن طائلة جميع بنود البند السابع و كامل البند السادس من الميثاق الأممي.
رابعا- بعثة الامم المتحدة في العراق هي السبب أيضا في تخفيض قيمة الدينار، ان البعثة الاممية في العراق المعروفة اختصارا بـ (يونامي) التي تأسست بموجب قرار مجلس الامن الدولي المرقم (١٥٠٠ في ١٤اب ٢٠٠٣) والتي تنتهي مهامها عمليا في نهاية شهر مايس ٢٠٢٣ - ان لن يجدد استمرار عملها من قبل مجاس الامن الدولي للسنة القادمة - هي الأخرى مسووءلة عن (عدم الاستقرار) الذي يشهده العراق على اي صعيد من الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية و غيرها ، حيث ان مهمتها الاساسية يتجسد في (تقديم مشورة و مساعدة العراق شعبا و حكومة و دعم الاستقرار) حيث لم يلاحظ عمليا، هذا الدور المنشود لبعثة اليونامي في اية أزمة من الازمات التي شهدها العراق منذ عام ٢٠٠٣ و لحد الان.
وفي الختام.. مهما تعددت الأسباب المؤدية الى انخفاض او ارتفاع قيمة الدينار العراقي وتفلبات وضع السوق العراقي بأسعاره و تجارته، فلن يشهد من الان فصاعدا اي استقرار اقتصادى ان لم تنضم تبادلاته وتحويلاته الدولارية الى نظام (السويفت الدولي) لمتابعة حركة أرصدته الدولارية خارجيا وداخليا وتحت توجيهات ومراقبة كل من البنك الاتحادي و الخزانة الأمريكيتين.