عناوین:

هل أخطأ أردوغان في اعتقال أكرم إمام أوغلو؟

PM:01:30:07/04/2025
1720 مشاهدة
مثنى عبدالله
+ -

فجرت عملية اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، والمرشح لمنصب الرئاسة التركية، مقابل الرئيس أردوغان، أكرم إمام أوغلوا جدلا سياسيا في الداخل والخارج.. فقد رأى البعض فيها انتكاسة خطيرة للعملية الديمقراطية في تركيا، وهي مؤشر على أن أردوغان يسعى للانفراد بالسلطة، مستغلا حالة الأمان الجيوسياسي، التي يشعر بها في اللحظة الراهنة، حيث أن الولايات المتحدة في عهد ترامب لم تعد تعير أية أهمية لطبيعة حكم الحلفاء، سواء أكانوا مستبدين أم ديمقراطيين.

كما أن الأصوات الأوروبية المعترضة على عملية الاعتقال ليست ذات قيمة، أمام حاجة أوروبا إلى تركيا في أوكرانيا وسوريا، وفي ملفات أخرى، يضاف إلى ذلك كعامل مساعد في هذه الخطوة، الإنجاز التاريخي الذي حققه أردوغان، والمتمثل في دعوة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان لأتباعه بإلقاء السلاح، والذهاب إلى خيار السلام مع السلطات التركية، وعليه فإن أردوغان نجح في توظيف هذه العوامل لصالحه، لكن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية قالت، إن القضاء مستقل، وإن الرئيس أردوغان لا علاقة له بما حصل، ولا توجد مبررات سياسية وراء اعتقال السياسي المعارض أكرم إمام أوغلو.

تصرف وسلوك المعارضة التركية سيعرضها للمساءلة الشعبية الأوسع، وعليها أن تكون حذرة وتطرح استراتيجية تحرك جديدة، ومدى حكمتها في معالجة الموقف سيكون الفيصل في المستقبل

وعلى الرغم من أن البعض ما زال مصرا على أن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو له علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، على اعتبار أنه من أشد المنافسين للرئيس أردوغان، لكن النظر إلى الصورة من جميع الزوايا تظهر إن أوغلو هو رئيس بلدية منذ عام 2019، وعليه سبعة قضايا يتم التحقيق فيها، في حين لم يتم اعتقاله في أي منها خلال هذه السنوات، بالتالي يصبح السؤال مشروعا وهو لماذا حصل الاعتقال الآن في هذا التوقيت بالضبط ؟ ربما لأن الاعتقال يتطلب أدلة حقيقية وقد توفرت الآن، بينما كانت سابقا مجرد إشارات، وبذلك يصبح الكلام عن الاعتقال على أنه استهداف سياسي كلام غير واقعي، لكن يبدو أن ذلك ليس مقنعا للشارع، خاصة أن توقيت الاعتقال تم قبل انعقاد مؤتمر حزب الشعب الجمهوري، الذي كان مقررا فيه تسمية أكرم إمام أوغلو مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما أعطى انطباعا بأن العملية سياسية أكثر منها قضائية، وهو ما دفع المتظاهرين للنزول إلى الشارع، خاصة طلبة الجامعات. وهنا يمكن القول إن الموضوع معقد، وتداخلت فيه السياسة والقضاء وتهم إرهاب وفساد ورجال أعمال، ما يعطي شيئا من الصحة لهذا التوقيت، كما يمكن القول إن هذا الأمر ليس بسبب ترشح الرجل أمام أردوغان فقط، بل الموضوع أكبر من ذلك بكثير، والدليل أنه لو كان الموضوع بهذه الصفة لكان إلغاء شهادته الجامعية كافيا لإبعاده عن المنافسة، لأن المادة 101 من الدستور التركي تقول بضرورة أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية قد حصل على شهادة جامعية.
يقول أكرم إمام أوغلو (أنا هنا، أرتدي قميصا أبيض لا يمكنهم تلطيخه معصمي قوي ولن تتمكنوا من ليه. لن أتراجع قيد أنملة. سأنتصر في هذه الحرب). لكن المثير في الأمر أن هناك بعض المعلومات التي تشير إلى إن هذه الأزمة بدأت بشكاوى من قبل بعض أعضاء حزب الشعب الجمهوري، الذي ينتمي إليه أوغلو، وهذا يعني أن مصدرها صراعات حزبية داخلية، حيث إن أكرم إمام أوغلو وجناحه داخل الحزب أطاحوا برئيس الحزب السابق، وبعد الإطاحة به تم تسريب فيديو من داخل حزب الشعب الجمهوري، يظهر وجود كميات كبيرة من الأموال يجري رزمها في حقائب كبيرة، ما أعطى إشارة بوجود حالة فساد مالي داخل الحزب، كما أن هناك عددا من أعضاء الحزب اتهموا رئيس بلدية تابع للحزب في إحدى المدن التركية بالفساد المالي أيضا، وبذلك يبدو أن الأدلة قد أتت من الحزب نفسه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا يستغل حزب العدالة والتنمية الحاكم هذه الصراعات الداخلية في حزب الشعب الجمهوري، لكن تهمة الإرهاب الموجهة إلى إمام أوغلو هي الأخطر من بين الاتهامات الأخرى، فقد سبق أن تم عزل واعتقال العديد من رؤساء البلديات في تركيا، بتهمة التخابر، أو التعامل مع شخصيات محسوبة على حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا في تركيا والولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، والملاحظة المهمة هنا هو أنه بعد التقارب بين التيار القومي التركي، والتيار الكردي حصل الكثير من الاعتقالات بين صفوف حزب الشعب الجمهوري.
إن تفاقم هذه الأزمة واتساع رقعة العمليات الأمنية احتمال وارد، لأن الرئيس أردوغان قال إن الأمور لن تتوقف عند هذه النقطة، ويبدو أن هناك معلومات وأدلة وإثباتات جديدة حصل عليها التحقيق مع المشتبه فيهم من داخل حزب الشعب الجمهوري. الآن استطلاعات الرأي تقول إن ما جرى يصب في مصلحة حزب الشعب الجمهوري، وهذا ممكن، لكن على المدى الطويل استطلاعات الرأي سيتبدل موقفها لماذا؟ لأن تصرف وسلوك المعارضة سيعرضها للمساءلة الشعبية الأوسع، وعليها أن تكون حذرة وتطرح استراتيجية تحرك جديدة تختلف عن الأسلوب الذي تعتمده اليوم، وأن مدى حكمة المعارضة التركية في معالجة الموقف واتخاذ مواقف حكيمة وذكية سيكون هو الفيصل في المستقبل، لأن هناك بعض المواقف التي اتخذت تكشف عن خلافات على اقتناص فرصة المناصب، وهنا سيشعر الشارع التركي بأن الصراع هو على امتلاك السلطة وليس على استراتيجيات وسياسات أفضل لمستقبل تركيا وللمواطن التركي. إذن أداء المعارضة في اللحظة الراهنة وقدرتها على تجميع الأصوات الأخرى المعارضة هي فرصتهم، كما أنها فرصة عليهم، في حالة من سيلعب بشكل أفضل، خاصة وأن هناك لاعب مخضرم كبير مر بأزمتين سابقتين في عام 2013 ثم الانقلاب في عام 2016 وهو الرئيس أردوغان، فهل سيستمر في قدرته على تجاوز الأزمات ؟ وكيف سيتعامل حزب الشعب الجمهوري مع هذه الأزمة؟
إن العديد من الخبراء يرون أن اعتقال أكرم إمام أوغلو ربما سيزيد من شعبيته، ويقارنون ذلك بما حصل للرئيس أردوغان نفسه، ففي عام 1999 تم اعتقال أردوغان عندما كان رئيس بلدية إسطنبول، وحكم عليه بالسجن أربعة أشهر بتهمة التحريض على التمييز الديني ومعاداة العلمانية، وبعدها خرج من السجن نجما سياسيا كبيرا وأسس مع رفاقه حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم تركيا منذ عام 2002 وحتى اليوم. كما أن هنالك العديد من عناصر التشابه بين أوغلو وأردوغان، فكلاهما كانا يلعبان كرة القدم، وكلاهما دخلا السياسة من بوابة بلدية إسطنبول وتدرجا إلى رئاسة الجمهورية، وكلاهما من منطقة البحر الأسود ومن عائلتين محافظتين.

البوم الصور