عناوین:

لبنان والعراق.. قوة خطاب التخوين في "هرائيته"

AM:11:18:30/10/2021
1632 مشاهدة
حازم الامين
+ -

أحالتنا وقائع الأيام الفائتة في العراق، وفي لبنان، إلى خطاب تخويني يكاد يكون واحدا في كلا البلدين، لا سيما وأنه صادر عن وجدان مذهبي واحد ترعاه دولة الولي الفقيه، وتحمله منابر وحناجر لطالما صدحت بما في هذا الإناء من مواد هذيانية، لا تحترم ذكاء مخاطبها، وهذه نماذج مما شهدناه وقرأناه:
جريدة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله، كتبت في أعقاب يوم الخميس الأسود اللبناني: "من سفارات القتل والقهر والسرقة التي تمثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والإمارات، إلى الجيش والقوى العسكرية والأجهزة الأمنية على اختلافها، إلى الأحزاب والقوى الثورية التي تريد استعادة رونق الزمن الجميل في بلاد الأرز، إلى الصيصان الذين يقترحون أنفسهم بدلاء لإدارة ما تبقى من دولة، إلى قضاة اختارهم النظام الفاسد ويريدون إقناعنا بأنهم ينتفضون للكرامة الوطنية حتى ولو شاركوا في التحريض على ما يقود إلى جريمة بحجم حرب أهلية".
بيان الهيئة للتنسيقية للمقاومة العراقية، في أعقاب هزيمة الحشد في الانتخابات الأخيرة: "إن تلاعب الأيادي الأجنبيّة في نتائج الانتخابات وطرق تزويرها الفاضح بإشراف حكوميّ أدّى بالنتيجة إلى فشل أداء عمل المفوضيّة وعجزها عن الوقوف بوجه الإرادات الخارجية، وهو ما قد يتسبب بإيصال البلد إلى حافة الهاوية".
والحال أن واقعتي البلدين، أي مقتلة يوم الخميس الفائت في بيروت، وهزيمة فصائل الحشد في الانتخابات العراقية، لا يمكن وصلهما بخطاب "السفارات" أو "المؤامرات الخارجية"، ولم يسعف البعد الخطابي حسن نصرالله هذه المرة في إقناع دجاجة أن وراء قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار مؤامرة كبرى. لكن هذا لا يعني أن موقع نصرالله ضعيف في هذا السجال الركيك، ذاك أن الرجل كان قد أنجز مهمة توسيع الصدع الأهلي بما يتيح له أن يقول ما يريد من دون الحاجة لما هو مقنع. فأي هراء سيجد مكاناً له في ظل حرب الغرائز الدائرة رحاها في لبنان وفي العراق. هزيمة الحشد الشعبي في الانتخابات العراقية "مؤامرة على الشيعة" حتى لو كان الفائز شيعيا، لا بل أنه ليس خصما لإيران، وهو مقتدى الصدر، أي أنه صاحب عمامة أين منها عمامة قيس الخزعلي!
خطاب الهراء ليس ضعيفا في ظل هذا الشقاق الأهلي، وهرائيته قد تكون مصدر قوة له، ذاك أنه لا يتوجه إلى العقول ولا يتوهم الانعقاد على منطق، المهم بالنسبة إليه أن يملك قدرة على النفاذ إلى الغرائز وأن ينجح في الشحن والتعبئة. أما من يتوهم أنه سينتصر عليه بحكم امتلاكه قرينة العقل والحقيقة، فسيكون خصما سهلا وغافلا عن الوقائع الثقيلة التي أرساها هذا الخطاب طوال عقود من الحروب الأهلية.
علينا هنا أن نتعض مجددا، ففي لبنان كما في العراق، استقرت السلطة لإيران، وهو استقرار يشوبه بعض الارتجاجات، لكنها ارتجاجات غير مهددة. خسارة الحشد الشعبي للانتخابات هي انتكاسة صغيرة لنفوذ إيران في العراق، والقاضي طارق بيطار لا يشكل تهديدا لصورة أمين عام حزب الله حسن نصرالله، لكن نوع النفوذ الذي يشكله كل من حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، لا يستقيم من دون محفزات مذهبية تبقى على الاستنفار الأهلي. وأي اشتغال عادي لآليات الدولة من خارج "الماكينة الثورية" سيفتح أفقا لمزيد من الارتجاجات. حزب الله، حتى لو أدين في انفجار المرفأ، فإن ذلك لن يهدد نفوذه، فهو سبق أن أدين في اغتيال رفيق الحريري ولم يتمكن أحد من محاسبته، وهزيمة الحشد في الانتخابات لن تفضي إلى سحب سلاحه، ولا إلى تراجع نفوذ الحرس الثوري الإيراني في بلاد الرافدين.
إذاً لما كل هذا الهراء؟ لا بل لما كل هذه الدماء طالما أن الأمر يقتصر على بعض الارتجاجات غير المهددة للنفوذ؟ والجواب على هذا السؤال يفترض أننا في سجال مع خطاب يشتغل على مصادر ذهنية صدر منها السؤال نفسه! وهنا نكون ضحية هذا الخطاب مرة أخرى، ذاك أنه نجح في استدراجنا إلى حلبة التخوين. فأنت أيها السائل لست سوى مجرد عميل. من توجه إليك بهذه التهمة لا يعنيه دفعك للتهمة. هي مجرد شتيمة عابرة وتمضي، فهل ينتظر الشتام تفكيكاً منطقياً لشتيمته؟ هو لا يخاطبك أصلا، فثمة من سيستقبل الشتيمة ويحولها إلى أغنية، وسيجد آلافا يرقصون على موسيقاها.
الحل إذا في مكان آخر تماما، ويحتاج سنوات موازية للسنوات التي أمضاها خطاب التخوين حتى نجح في تحويل الشتيمة إلى تعويذة أهلية تزخم الحروب ويستعاض بها عن العقول.

البوم الصور