كشف موقع "ذا كوليكتور" الكندي، المتخصص في شؤون التاريخ والفلسفة، عن تحليل معمق لتداعيات الحرب العراقية - الإيرانية التي اندلعت عام 1980، مبينا كيف غيرت هذه الحرب وجه المنطقة إلى الأبد، وأسست لتحولات إستراتيجية ما تزال تلقي بظلالها على العالم حتى اليوم، بدءا من مبررات غزو صدام حسين للكويت، وصولا إلى بروز إيران كقوة عسكرية في الحروب غير التقليدية.
وبحسب تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، فإن الحرب التي اندلعت في 22 أيلول/ سبتمبر 1980، جاءت بعدما رأى العراق في حالة الاضطراب التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران فرصة مثالية للسيطرة على حقول النفط والممرات المائية الحيوية، خاصة في ظل وفرة مالية عاشها العراق بفضل ارتفاع أسعار النفط بعد حظر أوبك عام 1973.
إلا أن الحسابات تغيرت سريعا، إذ واجهت القوات العراقية مقاومة شرسة أجبرتها على التراجع مع حلول عام 1982، لتبدأ الكلفة الاقتصادية الباهظة بالحرب في الظهور، ولجأ العراق حينها لتقليص الإنفاق المدني وزيادة الإنفاق العسكري، ما أثر على مستوى المعيشة وزعزع الدعم الشعبي.
وفي المقابل، أجبرت العقوبات الدولية إيران على تبني سياسة الاكتفاء الذاتي وتأميم الصناعات، وطورت قدراتها العسكرية محليا، مستفيدة من دعم شعبي واسع التف حول قيادة الخميني.
التقرير الكندي أشار إلى أن الحرب ساهمت في تغيير جذري بالأسواق العالمية للطاقة، حيث أدت المخاوف على صادرات النفط من إيران والعراق إلى ارتفاع الأسعار، ودفع الدول المستوردة إلى تنويع مصادرها، ما أدى لاحقا إلى تراجع الاعتماد على نفط "أوبك".
كما دخل العالم في مرحلة ما سمي بـ"حرب الناقلات"، حيث استهدفت طهران وبغداد منشآت النفط والبنية التحتية للطرف الآخر، في تصعيد خطير هدد أمن الطاقة العالمي.
ورغم دعم مالي دولي تلقاه العراق، إلا أنه خرج من الحرب بديون بلغت نحو 80 مليار دولار، نصفها للكويت ودول الخليج، بينما تضاعف حجم الضرر الاقتصادي مع استمرار الإنفاق العسكري وانخفاض عائدات النفط. ومع حلول 1989، كان العراق يدفع 3 مليارات دولار سنويا لخدمة الديون، أي نصف عائداته النفطية.
ومع رفض الكويت والإمارات إعفاء العراق من الديون، وتراجع الاقتصاد إلى حافة الانهيار، بدأ صدام حسين حملة تهديدات ضد الكويت، culminated في غزوها عام 1990، في محاولة للتخلص من الديون والاستيلاء على ثرواتها النفطية، وهو ما فجر لاحقا حرب الخليج.
على الجانب الآخر، واصلت إيران تطوير قدراتها في ظل الحصار، مع التركيز على الصناعات الدفاعية والتقنيات غير التقليدية، من الصواريخ والطائرات المسيرة إلى أساليب الحرب السيبرانية، مما عزز قدرتها على خوض حروب غير متكافئة رغم محدودية مواردها.
وفي ختام تقريره، شدد الموقع الكندي على أن الحرب العراقية - الإيرانية لم تكن مجرد صراع حدودي أو طائفي، بل لحظة محورية أعادت تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية، ورسخت صعود إيران كلاعب عسكري وإيديولوجي مؤثر، مقابل تراجع العراق إلى دوامة من الأزمات لم يتعاف منها حتى اليوم.
LF