عناوین:

النازحون والمتاجرة المستمرة

PM:01:26:22/01/2022
2388 مشاهدة
يحيى الكبيسي
+ -

وفقا للتقديرات الأخيرة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بلغ عدد النازحين في العراق حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ما مجموعه 1.189.581 نازح مسجل، و هذا العدد لا يشمل النازحين غير المسجلين. معظم هؤلاء يعيشون ظروفا غير إنسانية، لا تقف عند حدود بؤس المخيمات وندرة الخدمات الصحية والتعليمية، بل تتعداها لتشمل وضعهم القانوني نفسه! فوفقا لآخر تقرير صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من مليون فرد من النازحين يفتقدون لوثيقة واحدة أو أكثر من الوثائق الأساسية، فيما يفتقد أكثر من 500 ألف فرد على الأقل إلى وثيقتين من هذه الوثائق الأساسية، ويفتقد 250 ألف فرد إلى ثلاث وثائق أو أكثر. وهذه الوثائق هي: هوية الأحوال المدنية، شهادة الجنسية، البطاقة التموينية، بطاقة السكن. وفقدان هذه الوثائق في العراق يعني العجز عن الوصول إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، كما يؤدي ضمنا إلى تقييد القدرة على الانتقال من مكان إلى آخر بشكل كامل، والأخطر من كل ذلك، أنه يجعل هؤلاء النازحين عرضة للاعتقال والاحتجاز!
منذ العام 2003 على أقل تقدير، ظل تعامل الدولة / الحكومة العراقية مع مسألة النزوح الداخلي عشوائيا، وارتجاليا، لا يستند إلى أية مرجعية واضحة تحدد الالتزامات والواجبات المفروضة عليها، بل بدت هذه المسألة، في أحيان كثيرة، غير مفكر فيها أصلا. إذ لم تلتزم الدولة/ الحكومة مطلقا بما قررته لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة من مبادئ أساسية»(والتي أعلنت عام 1998 ) للتعامل مع ظاهرة النزوح الداخلي تحت عنوان « مبادئ توجيهية بشأن النزوح الداخلي». وهي مبادئ توجيهية للدول التي تعترضها هذه الظاهرة، فضلا عن المنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية، وذلك من أجل رصد حالات النزوح الداخلي بصورة أكثر فعالية وتوفير الحماية للنازحين، فضلا عن المساعدة وإعادة الإدماج والدعم الإنمائي. مع أن هذه المبادئ تتسق تماما مع ما جاء في الدستور والقوانين النافذة في العراق.
لقد عاشت الغالبية العظمى من النازحين داخليا ظروفا مأساوية بإقرار المسؤولين الرسميين، كما أن الدولة/ الحكومة تخلت عن مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاههم، ولم توفر لهم التخصيصات المالية اللازمة لمثل هذا الوضع. وما تم تخصيصه من مبالغ كان فضيحة حقيقية، سواء من حيث محدوديته، أو من حيث الفساد الموثق الذي ساهم في عدم وصول هذه التخصيصات أصلا! ومراجعة تحليلية إلى كميات المساعدات المقدمة وطبيعتها، تجعلها بعيدة تماما عن توفير الحد الأدنى من المستلزمات الأساسية للنازحين.
إن مراجعة الموازنات السنوية للدولة العراقية على مدى سنوات النزوح هذه، و قد وصلت أعداد النزوح، في ذروتها، إلى أكثر من 6 ملايين نازح، وتحليل الأرقام المخصصة للمساعدات المقدمة وطبيعة هذه المساعدات، تكشف أن الدولة/ الحكومة لم توفر الدولة الحد الأدنى من المستلزمات الأساسية لهم، وقد ظل اعتماد النازحين الأساس على ما تقدمه الدول المانحة والمنظمات الدولية!
وتحليل قانون الموازنة لعام 2019 يكشف بوضوح افتقاد الرؤية والافتقار إلى أية استراتيجية فيما يتعلق بالنازحين؛ فالقانون لم يلتفت إليهم إلا في مادة وحيدة عندما عمد إلى مناقلة مبلغ 430 مليار دينار عراقي من المبالغ المخصصة للنازحين من وزارة الهجرة والمهجرين إلى تخصيصات المحافظات والمناطق التي خضعت لسيطرة داعش «لغرض دعم إعادة الاستقرار وإعمار البنى التحتية أو مشاريع جديدة في إعادة النازحين» دون أن يحدد أولويات صرف هذه المبالغ. ولم يراع هذا التوزيع احتياجات النازحين الحيوية في مناطق النزوح الرئيسية، وهذا يعني أن الموازنة لم تحدد مبالغ مخصصة بشكل مباشر للنازحين في مناطق النزوح بأي شكل من الأشكال، فضلا عن الإشكالية المتعلقة بتوزيع هذه المبالغ على النازحين في هذه المناطق: بمعنى هل ستخصص كل محافظة من هذه المحافظات مبالغ للنازحين اليها من المحافظات الأخرى أم سيقتصر التوزيع على النازحين التابعين للمحافظة نفسها؟ كما أن الربط بين مسألة إعادة النازحين بمسألة إعادة إعمار البنى التحتية سيتيح للمحافظات التصرف بهذه التخصيصات بطريقة ارتجالية لا يمكن معها ضمان ذهاب هذه الاموال للغرض الذي يفترض أنها خصصت من أجله وهو إعادة النازحين. وإذا أضفنا حقيقتي الفساد وسوء الإدارة في عمل مجالس المحافظات، فإن النتائج، بالضرورة، ستكون كارثية بكل تأكيد.
وفي موازنة 2021 التي بلغت 101.3 ترليون دينار عراقي، كان إجمالي ما خصص لمنح عودة النازحين هو 25 مليار دينار عراقي، أي ما يزيد قليلا عن 17 مليون دولار لا غير!
وفي سياق حلقة المأساة هذه، شكلت مسألة عودة النازحين الطوعية إلى مناطق سكنهم الأصلية قبل النزوح أزمة لاحقة، فقد مُنع بعض هؤلاء النازحين، بشكل منهجي، من العودة إلى مناطقهم، وذلك في سياق فرض الأمر الواقع الذي استتبع عملية تغيير ديمغرافي صريحة تمت بغطاء سياسي وتواطؤ دولي صريحين، كما في نموذج جرف الصخر. أما من سمح لهم بالعودة فقد فرضت عليهم شروط مذلة، كما حدث مع النازحين من مدينتي يثرب وعزيز بلد في محافظة صلاح الدين، أو عوقبوا عقابا جماعيا، من خلال شروط غير قانونية وغير أخلاقية تمنعهم من العودة كما حدث في محافظة الأنبار (تضمنت الوثيقة التي سميت «وثيقة عهد اهل الأنبار» عدم عودة العوائل التي انتمى أحد أبنائها الى داعش) جرى ذلك أمام أنظار الدولة/ الحكومة، وتواطؤ المجتمع الدولي والمنظمات الدولية!
منذ عام 2014، يتجدد موسم المتاجرة بمأساة النازحين في العراق بمشاركة الجميع، وتقف هذه المتاجرة عند حدود الدعاية السياسية فقط، وقليل من البكائيات لتتناسب مع الموقف، لتنتهي الزفة ويلف النازحين النسيان، فلن تكون الموازنة الاتحادية لعام 2022 مختلفة عن سابقاتها فيما يتعلق بهم، إلى حين استثمارهم من جديد في موسم آخر!

البوم الصور