يمثل سكان دول شمال أفريقيا، نسبة كبيرة، ومتنامية من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط، عن طريق الهجرة غير الشرعية.
ووفقا للأرقام الأخيرة، التي نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية، كانت ثلاثة من أكبر 10 دول منشأ للمهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد في عام 2021 من شمال إفريقيا.
وشكل التونسيون وحدهم 29 في المائة من المهاجرين، يليهم المصريون بـ 9 في المائة، والمغاربة 3 في المائة.
وفي وقت متأخر من يوم الاثنين، احتشد حوالي 700 مهاجر في قارب صيد صدئ إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، الواقعة في منتصف الطريق بين تونس، والبر الرئيسي الإيطالي.
وبدا أن العديد منهم شباب من شمال إفريقيا، أو الشرق الأوسط، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتد برس.
قوارب الموت
الوكالة استقت شهادات لناجين من قوارب الهجرة غير الشرعية، والتي أضحت تُنعت بـ "قوارب الموت" لتسببها في وفاة المئات من الذين كانوا يتطلعون لحياة أفضل على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
قال وليد، وهو تونسي كان يأمل مع خمسة آخرين عبور البحر المتوسط، إنه وأصدقاؤه، واجهوا الموت عندما اخترقت المياه قاربهم المطاطي.
وكشف أنهم ظلوا يفرغونه من المياه التي غمرته، لمدة خمس ساعات تقريبا.
قال: "كنا يائسين للغاية"، ثم في وضح النهار، في 20 سبتمبر، رصدهم طاقم سفينة الإنقاذ من خلال منظار.
وكان المهاجرون على بعد أميال قليلة من Geo Barents، وهي سفينة إنقاذ تديرها منظمة أطباء بلا حدود الخيرية.
وكانت السفينة تقوم بدوريات في وسط البحر الأبيض المتوسط قبالة ليبيا التي مزقها الصراع منذ وقت سابق من ذلك الشهر.
وتم على الفور إرسال فريق من الجمعية الخيرية، المعروفة باسمها المختصر بالفرنسية MSF.
وجدوا ستة شبان: ثلاثة ليبيين وتونسيين ومغربي.
كانت المجموعة قد انطلقت في اليوم السابق من مدينة الزاوية الساحلية الليبية، وهي نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الذين يحاولون القيام بهذه الرحلة الخطرة.
قال الستة جميعًا، إنهم فروا من أوضاع صعبة أو تنطوي على مخاطر في ليبيا، حيث انتقل ثلاثة منهم قبل سنوات بسبب مشاكل اقتصادية في وطنهم.
وتشير أعدادهم المتزايدة أيضًا إلى أوضاع محفوفة بالمخاطر في بلدانهم الأصلية، حيث تتعرض الموارد الحكومية لضغوط بسبب تزايد أعداد الشباب.
ولقد قضى الكثيرون بالفعل سنوات مروعة داخل ليبيا، التي كانت يومًا ما وجهة للعمالة المهاجرة بسبب ثروتها النسبية.
ليبيا محطة الانطلاق
وجعل انزلاق ليبيا في الحرب وغياب القانون على مدار العقد الماضي منها، مركزًا للمهاجرين الأفارقة والشرق الأوسط الفارين من الحرب والفقر في بلدانهم على أمل الوصول إلى أوروبا.
وغرقت الدولة الغنية بالنفط في حالة من الفوضى في أعقاب الانتفاضة التي دعمها الناتو والتي أطاحت بنظام معمر القذافي وقتلته في عام 2011.
وليد قال كذلك إن عبور البحر هذا الشهر، كان ثامن محاولة له للوصول إلى أوروبا منذ 2013.
وعلى مدار الـ 17 عامًا الماضية، عمل هذا الشاب البالغ من العمر 42 عامًا، وهو أب لطفلين من مدينة في تونس، طاهياً في ليبيا المجاورة.
ووصف الحياة هناك مؤخرا بأنها مروعة
قال: "يمكن لأي ليبي أن يضربك، ويهينك، ويأخذ مدخراتك، وأنت (كأجنبي) لا تستطيع فعل أي شيء".
تحدث وليد إلى وكالة أسوشيتيد برس على متن السفينة جيو بارنتس بينما كان هو ومهاجرون آخرون ينتظرون النزول في ميناء في بلدة أوغوستا الإيطالية، حيث سيواجهون أولاً الحجر الصحي لفيروس كورونا ثم المعالجة، وعند هذه النقطة يطلبون اللجوء.
وكان من بين رفقاء وليد في السفينة تونسي آخر هو كمال المزالي الذي كان يعمل بحارًا في ليبيا ومحمد وهو حلاق مغربي يبلغ من العمر 30 عاما.
طلب وليد والحلاق عدم الكشف عن هويتهما إلا بأسمائهما الأولى، لتجنب تعريض الأصدقاء الذين ما زالوا في الزاوية للخطر.
وصل محمد من مدينة فاس المغربية القديمة، إلى ليبيا في مارس 2019 واستقر في مدينة صبراتة الغربية.
وفي العام الماضي، اقتحمت الميليشيات منزله وصادرت جواز سفره ومدخراته، هنالك، قرر المغادرة.
محاولات يائسة
كانت محاولته الأولى لعبور البحر الأبيض المتوسط في مايو 2020 ، لكن خفر السواحل الليبي اعترضه، وقال إنه أطلق سراحه مقابل رشوة عند عودته إلى الميناء.
كان مترددا في المحاولة مرة أخرى، خوفا من أن يغرق، لكن تصميمه عاد عندما قام زبون ليبي غاضب بسحب مسدسه عليه بزعم عدم الرد على المكالمات لتحديد موعد لحلاقة شعره.
قال هذا المهاجر: "ليبيا ليست مكانا للعيش فيه."
بعدها، حصل محمد على مكان في قارب صغير طوله 4 أمتار، وكان لدى الرجال الستة محرك بقوة 40 حصانا ومحرك أصغر بقوة 25 حصانا كاحتياطي.
لكن لم يتم تصميم أي من المحركات لمثل هذه الرحلة الطويلة، وبعد بضع ساعات، أصبح المحرك هادئا لا يعمل.
وبحلول الوقت الذي وصل فيه طاقم الإنقاذ إليهم، كانوا على بعد حوالي 40 ميلا بحريا من الساحل الليبي وكان القارب منخفضا في الماء.
ووفقا للأمم المتحدة، تم الإبلاغ عن وفاة أكثر من 1100 مهاجر أو يفترض أنهم لقوا حتفهم قبالة ليبيا هذا العام، لكن يُعتقد أن هذا العدد أعلى.
وتم اعتراض حوالي 25300 آخرين وإعادتهم إلى الساحل الليبي منذ يناير.
وهذا أكثر من ضعف الرقم المسجل في عام 2020 ، عندما تمت إعادة حوالي 11890 مهاجرا.
ويأتي هذا الارتفاع بعد انخفاض إجمالي عدد الوافدين، ولكن ليس الوفيات، خلال ذروة الوباء في عام 2020.
وتقول إيطاليا إن 44778 مهاجرا وصلوا إلى شواطئها حتى الآن هذا العام، أي ضعف العدد مقارنة بالأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، ونحو خمسة أضعاف العدد من عام 2019.
وتأتي الزيادات بعد إغلاق طريق عبر شرق البحر الأبيض المتوسط عبر تركيا.
وعادة ما يكون منتصف الصيف إلى أواخره وقت الذروة للمحاولات على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط بسبب الطقس الجيد.
وأصبحت عمليات الإنقاذ على طول هذا الطريق روتينية خلال الأشهر الأكثر دفئا.
وفي السنوات الأخيرة، دخل الاتحاد الأوروبي في شراكة مع خفر السواحل الليبي لوقف المعابر البحرية.
وتقول جماعات حقوقية إن هذه السياسات تترك المهاجرين تحت رحمة البحر أو الجماعات المسلحة أو محاصرين في مراكز احتجاز تديرها ميليشيات تنتشر فيها الانتهاكات.
قال الركاب الثلاثة الآخرون على متن القارب مع وليد، وجميعهم ليبيون في العشرينات من العمر، إنهم خاطروا بحياتهم في البحر المتوسط بسبب القوة المميتة التي تمارسها الميليشيات في البلاد.