عناوین:

محاولة اغتيال الكاظمي بين الواقع ومساومات واشنطن وطهران

PM:04:37:01/12/2021
43540 مشاهدة
أمير المفرجي
+ -

مع تأكيد الاتهامات بمسؤولية الميليشيات الولائية المدعومة من إيران في المحاولة الأخيرة التي استهدفت محل إقامة رئيس الوزراء العراقي، تثار التساؤلات عن الأسباب التي دفعت لجان التحقيق التي شكلتها الحكومة العراقية، والتي يترأسها مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، من إعلان تفاصيل محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي الفاشلة، من دون كشف الجهة الرئيسية التي تقف خلفها.

وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام، وجهت إلى الفصائل المسلحة المدعومة من طهران، بعد إعلان نتائج لجان التحقيق الأمنية العراقية، التي أشارت إلى أن الهجوم الذي استهدف منزل رئيس الوزراء داخل المنطقة الخضراء، نُفذ بواسطة طائرات مسيرة مفخخة، ومن ثم تأكيد كينيث ماكينزي قائد القيادة العسكرية المركزية الأمريكية، الذي وصف العملية «بالهجوم الإجرامي» واتهم الميليشيات الإيرانية بالوقوف وراءه، بيد ان الجهات الرسمية العراقية حالها حال الإدارة الأمريكية، امتنعت عن تحديد الجهة المسؤولة التي أمرت بهذا الهجوم، واكتفت بالقول، إن هناك مجموعات متعددة تعمل داخل العراق، قادرة على شن مثل هذا النوع من الهجمات. على الرغم من أن محاولة الاغتيال نفذت بطائرات مسيرة متطورة تملكها الفصائل المدعومة من إيران، في الوقت الذي امتنع فيه جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، من تحديد الجهة المسؤولة عن هذه المحاولة الفاشلة التي استهدفت رئيس الوزراء العراقي.

يبدو أن نتائج التحقيق النهائية، تم تأجيل إعلانها لأسباب داخلية وخارجية، حيث اكتفت الجهات الرسمية العراقية بالقول، إن هذه النتائج «ستراعي الوضع السياسي المحتقن في البلاد، ولن تكون هناك تسمية لأي جهة محددة خلال إعلان النتائج الأولية». وعلى الرغم من كون تحقيقات محاولة اغتيال الكاظمي قد عمل بها جديا من قبل المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية وبمساعدة أمريكية، من خلال عمليات التوثيق وجمع الأدلة للوصول إلى الجهات والأشخاص المتورطين في تنفيذ محاولة الاغتيال، أو كشف الجهة المتعاونة على تنفيذها، حرصت الإدارة الأمريكية، ومن خلالها الحكومة العراقية على ما يبدو، بدفع توقيت ملف التحقيق الذي تم إنهاؤه إلى ما بعد توقيت مفاوضات الملف الإيراني، الذي سيدخل في مرحلته الأخيرة، حيث بدت طهران جاهزة لإجراء «محادثات بناءة» تحت رعاية الاتحاد الأوروبي، مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للحصول على ضمانات ملموسة من الولايات المتحدة، حسب وكالة مهر القريبة من النظام الإيراني، ما يعطي لهذا الحدث الأهمية والأولوية، ويفرض على النظام السياسي العراقي المتأثر بصراع الآخرين على أرضه، على تهدئة الوضع الداخلي واتباع الوصايا الأمريكية والإيرانية، بانتظار ما ستحمله المفاوضات من نتائج قبول إيران بالعودة الى مباحثات الملف النووي في فيينا. وهذا ما يدفع بالموقف الأمريكي بصورة عامة والأوروبي بصورة خاصة، إلى التركيز على أولوية الملف النووي وعودة إيران لاستئناف المحادثات في فيينا، بعد قبولها التنازل عن بعض النقاط المهمة ورضوخها للشروط الأمريكية ـ الإسرائيلية في ما يتعلق بالملف النووي ورفضها في الوقت نفسه، مناقشة تصدير مشروعها القومي في دول المنطقة، إذا نظرنا بعين الاهتمام التصريح الأخير للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، الذي أعلن أن شروط بلاده لاستئناف مفاوضات فيينا لن تناقش أي قضايا إقليمية، مؤكدا أن «شؤون المنطقة تبحث مع دولها فقط».

وهذا ما يُفسر طبيعة الموقف الإيراني من التداعيات الأخيرة التي شهدها الوضع السياسي العراقي، بعد محاولة اغتيال الكاظمي، على وقع توتّر سياسي مرتبط بنتائج الانتخابات التشريعية المبكرة، التي رفضتها الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، وبالتالي رفض تجديد ولاية ثانية لمصطفى الكاظمي في منصب رئاسة الوزراء، بعكس موقف إدارة جو بايدن والمجموعة الأوروبية التي ما زالت تدعم وتؤيد استمراره في رئاسة مجلس الوزراء.

لا شك في أن تأخير كشف نتائج التحقيق النهائية في محاولة اغتيال رئيس الوزراء واحتمالات تأجيل إعلانها يتوافق مع أزمة الوضع السياسي المُحتقن في العراق، وإشكالية علاقة النظام السياسي العراقي المزدوجة مع واشنطن وطهران، التي لم تؤخذ بعد على محمل الجد من قبل أمريكا والغرب، ولأسباب تتعلق بمصالح الدول العظمى التي لم تر في العراق سوى الوسيط المتأثر بإيران ووسيلة ناجحة للحوار معها. من هنا أصبح من الواضح، أن التغاضي عن إعلان النتائج النهائية والإصرار على عدم كشف الجهة التي أصدرت الأوامر باستهداف رئيس الحكومة العراقية، يدخل ضمن إرادة الحكومة للخروج بحلول مع الأحزاب الخاسرة، التي وجهت إليها أصابع الاتهام، وجعله رهينة للمساومات تارة بين مصطفى الكاظمي، الذي يمثل هرم النظام السياسي، وميليشيات إيران، التي خسرت الانتخابات، وتارة أخرى رهينة لمساومات واشنطن وطهران، بعد عودة إيران واستدراجها للقبول برؤية جديدة في ملفها النووي.

البوم الصور