عناوین:

إلزام كوردستان العراق بتسليم نفطه لبغداد.. إنتقام سياسي أم إصلاح قانوني؟

PM:03:40:20/02/2022

3924 مشاهدة

مجددا، فتح ملف النفط الباب أمام أزمة جديدة بين بغداد وأربيل عقب قرار المحكمة الاتحادية العليا ببطلان قانون النفط والغاز الذي شرعته حكومة إقليم كوردستان عام 2007 والذي أتاح لها التعاقد مع شركات أجنبية لاستخراج وبيع النفط من حقول داخل محافظات أربيل والسليمانية ودهوك بالإضافة لاستخراجه من مناطق متنازع عليها في محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين من دون العودة لبغداد.

قرار الاتحادية تزامن مع مساع لتشكيل حكومة عراقية جديدة وسط انقسام حاد داخل البيت الكردي حول منصب رئيس الجمهورية وانقسام القوى السياسية حول الكتلة البرلمانية الأكبر، وقد أثار كل ذلك عدة تساؤلات، تحوم أبرزها حول توقيت صدور القرار، وموقف أربيل من القانون. وكيف سيكون وضع الشركات الأجنبية المتعاقدة معها؟ بالإضافة إلى انعكاساته على الوضع الاقتصادي في كوردستان التي تراجع مستواه خلال السنوات الأخيرة.

إلغاء وتسليم بأثر رجعي
ووفق حكم المحكمة الاتحادية فإن قانون النفط والغاز في الإقليم ملغى لمخالفته النصوص الدستورية وفق المواد 110 و111 و112 و115 و130 من الدستور، حيث إنه أوجب على حكومة كردستان تسليم واردات النفط بأثر رجعي من تاريخ إبرام العقود والسماح لوزارة النفط وديوان الرقابة المالية بالاطلاع على هذه العقود وفي حالة الأحجام سيتم استقطاع هذه الأموال من النسبة المخصصة للإقليم من الموازنة السنوية والتي كانت 17% وخفضت العام الماضي إلى 12% من إجمالي موازنة العراق.

ورغم استمرار المفاوضات بينهما، فإن بغداد وأربيل لم تصلا إلى حل أو اتفاق فيما يتعلق بإنتاج وتصدير النفط وبيعه طيلة الـ15 سنة الماضية، وهذا ما جعل الموضوع يتصدر المشهد السياسي في البلاد لا سيما في ظل العمل على تشكيل حكومة جديدة وإقرار الموازنة المقبلة.

وتشير تقديرات إلى أن الإقليم ينتج يوميا من النفط نحو 620 ألف برميل -وفق بيانات رسمية- ويباع جزء منه بأسعار منخفضة جدا عن السعر العالمي.

وارتكزت المحكمة الاتحادية على المادة 111 من الدستور بأن النفط والغاز ملك الشعب العراقي وبالتالي فإن إدارة النفط والغاز هو من التجارة الخارجية وهو من اختصاص الحكومة العراقية المركزية وفق المادة 110 من الدستور.

الحقول النفطية في القانون
ويوضح الخبير القانوني علي التميمي مفهوم الحقول الحالية الوارد في المادة 112 بأنها الحقول المنتجة والمستكشفة والمطورة وفق التفسير الأكثر قبولا وليس فقط المنتجة كما ترى حكومة الإقليم.

ويشير الخبير القانوني للجزيرة نت إلى أن العراق بلد فدرالي وليس كونفدرالي ولشركة سومو الاختصاص الحصري في تصدير النفط، فقرار المحكمة الاتحادية هو ملزم ولا يمكن استئنافه بالذهاب للمحاكم الدولية فهو قرار سيادي خاص بالدولة العراقية، لافتا إلى أن الضرر المترتب على إبرام العقود مع الشركات العالمية تتحمله حكومة الإقليم.

السيناريوهات المتوقعة
عرض الباحث السياسي العراقي الدكتور حيدر سلمان عدة سيناريوهات، منها أن "يهمل" القرار رغم أنه واجب التنفيذ، مشيرا إلى أن طبيعة تحالفات الحزب الديمقراطي الكوردستاني (أكبر حزب كردي) مع التقلبات السياسية تجعل الاحتمال الأقرب -سواء كان التحالف مع الكتلة الصدرية أو الإطار التنسيقي- هو أن يبقى القرار على الورق بدون تنفيذ "وهو حال كثير من القوانين والتشريعات".

وأما السيناريو الآخر -وفق سلمان- هو أن يتم الانسحاب من الحقول التي يسيطر خارج الإقليم خاصة في الموصل وكركوك وغيرها مقابل الاكتفاء بما هو في داخل الإقليم.

وفي حديثه للجزيرة نت وضع سلمان سيناريو ثالث اعتبره ضعيفا جدا، وهو تسليم كامل الواردات وإدارة الحقول النفطية خارج الإقليم، والاكتفاء بالإدارة المشتركة والقبول بالبترودولار والغاز دولار وفق الدستور والقوانين المشرعة لاحقا للمحافظات والأقاليم المنتجة، لكنّه يعود سريعا ويقر باستحالة تطبيقه بسبب الوضع الحالي لكوردستان المعتمد كليا على هذه الواردات.

القرار سياسي أم قانوني؟
يضع المحلل السياسي الكردي كوران قادر في جوابه عن السؤال اعتبارين لقرار المحكمة الاتحادية، يحدد الأول منهما بأنه يمكن عده قرارا سياسيا من الناحية الزمنية، أي من حيث توقيت صدوره في هذا الوقت بالذات، رغم أن هذه الدعوى موجودة لدى هذه المحكمة منذ أكثر من عقد من الزمن.

وأما الاعتبار الثاني، فهو وصف قادر في حديثه للجزيرة نت صيغة قرار المحكمة من الناحية القانونية بـ"غير الصائب"، حيث يطالب بإلغاء قانون النفط والغاز رقم 22 لسنة 2007 الصادر من الإقليم، معتبرا أن الصواب هو إلزام حكومة الإقليم بتعديل قانون النفط والغاز بما ينسجم مع أحكام المادتين 111 و112 من الدستور العراقي النافذ فيما يخص الإدارة المشتركة لنفط وغاز كردستان بين حكومتي بغداد وأربيل بشكل منسجم مع ملكية كل الشعب لهذه الثروة.

الوضع الاقتصادي في كوردستان
يعيش الإقليم منذ العام 2014 أزمة اقتصادية خانقة وصلت ذروتها تزامنا مع الحرب على داعش عام 2014 وانخفاض أسعار النفط وتراجع وارداته من النفط وقطع الموازنة عنه من بغداد، مما دفعه إلى اللجوء إلى نظام ادخار الرواتب الذي يقضي باستقطاع نسب متفاوتة من رواتب موظفيه ليتمكن من تسديدها.

إلا أن الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي يقول إن قرار المحكمة الاتحادية سيوفر لكوردستان موارد مالية أكبر بكثير من تلك التي تحصل عليها من صادراتها من النفط الخام.

ويشير إلى أن شركة التدقيق الدولية "ديلويت" (Deloitte) نشرت تقريرها النصف السنوي الذي أشارت فيه إلى أن حكومة الإقليم قد حققت عائدات بقيمة 4.1 مليارات دولار أميركي من تصدير النفط الخام خلال النصف الأول من عام 2021 بعد سداد المدفوعات لمنتجي النفط من الشركات الأجنبية ومشغلي خطوط الأنابيب، واحتفظت حكومة كوردستان بصافي الإيرادات من مبيعات النفط الخام البالغة مليارا و737 مليون دولار أميركي.

وهذا يعني- كما يقول المرسومي: أن صافي الإيرادات النفطية التي تحصل عليها حكومة الإقليم تبلغ 42% فقط ويذهب الباقي لسداد التكاليف بما فيها كلفة النقل وأرباح الشركات الأجنبية، ورغم ارتفاع أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2021 فإن صافي العائدات النفطية التي تحصل عليها كوردستان لن يزيد على 4 مليارات دولار أي أقل من 6 ترليونات دينار عراقي في حين حصة الإقليم التي سيحصل عليها من موازنة 2021 لو نفذ قرار المحكمة الاتحادية سيكون نحو 10 ترليونات دينار.

وضع الشركات النفطية
بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية بشأن نفط الإقليم، انتقد قادة الإقليم القرار وأكدوا عدم التزامهم به، وهذا ما يتوقعه عضو برلمان كوردستان الدكتور شيركو جودت، ويذهب إلى احتمالية أن يدخل الطرفان في مفاوضات لحل هذه الإشكالية الممتدة لسنوات.

ووضع قرار المحكمة الشركات الأجنبية المتعاقدة مع حكومة الإقليم بموقف محرج جدا بإقرارها عدم قانونية العقود والعمل، وهذا ما ساهم بشكل كبير إلى تراجع أسهمها في البورصة العالمية، وفقا لحديث جودت للجزيرة نت.

ويحدد عضو برلمان الإقليم أبرز نقاط الخلاف بين بغداد وأربيل حول تفسير بعض المواد الدستورية وأبرزها المادتان 111 و112 بالإضافة إلى موضوع الإنتاج والتصدير في حقول ما قبل وبعد 2005 في مجال النفط والغاز، ويقول "على الدستور العراقي أن ينظم العلاقة بين حكومتي بغداد وأربيل فيما يتعلق بقانون النفط والغاز رغم وجود محاولات عدة لتنظيم هذا القانوني وتحديدا في عامي 2007 و2011".

ولكن أكثر ما يزيد التفاؤل لدى جودت بالنسبة لقانون المحكمة رغم تسجيله بعض الملاحظات عليه أنه سيصب في مصلحة الشعب ضد من يسميهم بـ"المتسلطين" في مجال النفط والغاز.





البوم الصور