اجتماع الرؤساء الاربعة
11/11/2019 10:47:05 PM
3903 مشاهدة
رافد جبوري
+
-
في بغداد اجتمع رؤساء الجمهورية والوزراء البرلمان ومجلس القضاء الاعلى ليصدروا بيانا مطولا اخر ينضم لقائمة البيانات التي اصدرها المسؤولون العراقيون منذ بدء التظاهرات الواسعة النطاق في بغداد وجنوبي العراق. كالعادة يؤيد البيان التظاهرات وكانها تجري ضد سلطات وجهات اخرى غير التي يمثلها اصحاب البيان. كما ويجزل البيان واصحابه الوعود بمكافحة الفساد وفتح ملفاته وتشريع قانون انتخابات جديد تصحيح مسارات عمل الحكومة واجراء تعديل وزراء واجراء حوار لتعديل الدستور. يبدو الخلط مستمرا لمطالب المتظاهرين ببنود ونقاط تريد القوى السياسية العراقية اجرائها او تعتقد بأن في اجرائها مصلحة من نوع ما.
من المفيد هنا ان ننظر الى طبيعة السلطات التي يمتلكها الرؤساء اصحاب البيان وتأثير تلك السلطات على الوضع والازمة الحالية. على العموم بني النظام السياسي العراقي بعد عام الفين وثلاثة على اساس تقاسم السلطات وتوزيعها الى درجة التشتت لكن الطبيعة الشخصية لمن يشغل اي منصب من تلك المناصب تلعب دورا مهما في اداءه وتأثيره. والتأثير هنا هو تأثير اعلامي بالدرجة الاساس.
رئيس الجمهورية برهم صالح وكما كتبنا سابقا حلق بمنصب الرئاسة بمواهبه المتعددة كسياسي جذاب. اما في الازمة الحالية فهو يقف في موقع مهم اذ امتدح الاميركيون دوره في تقديم الاقتراحات لحل الازمة لكنه حظي ايضا باتهامات خطيره من حلفاء ايران الصريحين في العراق الذين قالوا بانه يتامر مع التظاهرات. التظاهرات طبعا منزهة من تلك الاتهامات اذا انها لو كانت متامرة مع اي طرف قوي مثل الولايات المتحدة لكانت نجحت فعلا في اسقاط نظام الحكم ولما ترك المتظاهرون العزل يواجهون الرصاص الحي واساليب القمع الاخرى التي ادت حتى الان الى سقوط الضحايا بالمئات وجرح الالاف. الرئيس صالح هو جزء من الطبقة السياسية العراقية لايملك اي مصلحة في اي خسارة تصيبها بل هو يعمل على العبور بها من هذه الازمة بطريقة يأمل ويأمل الاميركيون وربما حتى الايرانيون ان تكون ناجحة.
اما رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي فقد اعطته صيغ المحاصصة الطائفية والحزبية منصبا لم يكن ليبلغه في اي زمن او وضع اخر. وضع طابعه الشبابي والحيوي على المنصب, فتصالح مع مؤسسات الاعلام والاوساط السياسية التي كان يتعارك معها ويتصايح عندما كان نائبا في الدورة السابقة. كما وقد قام بزيارة ناجحة له شخصيا الى الولايات المتحدة قبل اشهر. اما في الازمة الحالية فقد كان يصدر التصريحات قبل ايام حول وجوب ان يحضر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حالا وبسرعة الى مجلس النواب من اجل الاستجواب, ليعود ويحضر هو اي الحلبوسي لاكثر من اجتماع مع عبد المهدي بعد ان تعزز موقع رئيس الوزراء وبات يعمل بثقة اكبر اذ ابتعد خطر ازاحته بعد التفاف القوى السياسية علنا او سرا حوله.
تبدو سلطة رئيس الوزراء السلطة الاكبر بحسب النظام السياسي العراقي اذا انه الموظف التنفيذي الاكبر والقائد العام للقوات المسلحة. لكن القائد العام عادل عبد المهدي لا يعترف باصداره لاي اوامر باطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين او قتلهم باي طريقة وقد اكد بيان الرؤساء ذلك وصادق عليه. اذن فحتى من يمتلك السلطة نظريا يتبرأ منها ومن استخدامها فيما تسود قناعة لدى كثيرين بان سلطات عبد المهدي يتم الالتفاف عليها او اخضاعها في قنوات ايرانية او متحالفة مع ايران. نشير هنا الى ان رؤساء الوزراء السابقين كانوا دوما يشيرون الى انهم في الواقع يتقاسمون السلطات مع الكتل السياسية الاخرى وبان صلاحياتهم مقيدة. ومن المهم ان نتذكر ان عهد العبادي شهد ايضا قتل المتظاهرين في البصرة تحديدا كما وقتل متظاهرون في عهد المالكي في الحويجة وبغداد واماكن اخرى.
يبرز رئيس مجلس القضاء الاعلى فالح الزيدان ويبرز دوره في الاجتماعات الحكومية الاخيرة . مشاركة الزيدان وهو المعين في منصبه مثل الاخرين وفق نظام المحاصصة الطائفية, مهمة اذ ان مجلس القضاء اصدر بيانا فيه مؤشرات لما يمكن ان يأتي. فالبيان يقول بوضوح بانه سيتم التعامل مع المتظاهرين الذي يهاجمون القوات العراقية على انهم ارهابيون. مهاجمة القوات الامنية او اي شخص هي جريمة طبعا لا يدافع عنها احد لكن المتظاهرين هم الذين يتعرضون للهجوم والقتل منذ اسابيع ولم يتحرك مجلس القضاء ولا غيره من اجل محاسبة حقيقية لمن ارتكب اعمال القمع ضد المتظاهرين.
اما الشارع في وقت الاجتماع فقد كان يغلي في بغداد وفي الناصرية والبصرة ايضا وربما في مناطق اخرى. فبعد ان صمد المتظاهرون في ساحة التحرير منذ الخامس والعشرين من اكتوبر تشرين الاول في ساحة التحرير فقد حاولوا بعد ذلك ان يعبروا نهر دجلة الى جانب الكرخ حيث مراكز السلطة وابرزها مكتب رئيس الوزراء في منطقة علاوي الحلة و مقر محطة التلفزيون الرسمية , قناة العراقية, وكذلك السفارة الايرانية وطبعا المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم مقار الحكومة العراقية والسفارات الاجنبية. نجحت بعض محاولات العبور لكن قوات الامن قاومت المتظاهرين ثم عادت بعد التوافقات السياسية الاخيرة لتنقض عليهم وتبعدهم عن الجسور وتعيدهم الى منطقة ساحة التحرير. لكن المواجهات مستمرة.
المصدر: الزمان