عناوین:

الجود والكرم والشح والبخل!

AM:10:16:08/01/2022
3836 مشاهدة
تركي الدخيل
+ -

تكاد شعوب الأرض بثقافاتها المتباينة، تطبق على فضيلة الجود والكرم من جهة، ورذيلة الشح والبخل من جهة مقابلة.
سأل كسرى: أي شيء أضر على ابن آدم؟! قالوا: الفقر. قال: الشح أضر منه، إن الفقير إذا وجد اتسع، وإن الشحيح لا يتسع إذا وجد.
فالشحيح في ضيق سواء اتسع رزقه أو ضمر!
في «روضة العقلاء»: إن «أجود الجود؛ من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره، ومن جاد ساد، كما أن من بخل رذل. والجود حارس الأعراض... ومن أتم الجود أن يتعرى من المنة».
ولكن أيكون الجود والكرم مترادفين، وهل الشح والبخل متماثلان؟!
ومن ثراء اللغة العربية، أن محاولة الإجابة عما سبق، تسود فيها الصفحات الطوال، بين تفاوت تعريفات أهل اللغة، وتباين تفريقاتهم!
فقد فرق أبو هلال العسكري بين الجود والكرم، فاعتبر: (الجواد هو الذي يعطي مع السؤال. والكريم: الذي يعطي من غير سؤال. وقيل بالعكس. وقيل: الجود: إفادة ما ينبغي لا لغرض. والكرم: إيثار الغير بالخير).
أما الصعود في الدرجات بالجود، والسقوط في الدركات بالبخل، فيتحدث عنه ابن حبان، قائلا: «ما رأيت أحدا من الشرق إلى الغرب ارتدى برداء الجود، واتزر بإزار ترك الأذى إلا رأس أشكاله وأضداده، وخضع له الخاص والعام، فمن أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما ملك، وترك الأذى إلى الخاص والعام، ومن أراد أن يهتك عرضه ويثلم دينه ويمله إخوانه ويستثقله جيرانه فليلزم البخل».
قيل للنضر بن شميل: أي بيت قالته العرب أسخى؟ قال: الذي يقول:
فلو لم تكن في كفه غير روحه لجاد بها، فليتق الله سائله
وضمن البيت السابق، تنسب أربعة أبيات لأبي بكر الشبلي، الشاعر العباسي، (ت334 هـ)، وهي:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تجبه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت آمله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
والصحيح أن البيت الأول والرابع لأبي تمام، فيما الثاني والثالث لزهير بن أبي سلمى، كما حرر ذلك المحقق العراقي الكبير؛ كامل مصطفى الشيبي، (ت 2006)، في جمعه لديوان الشبلي.
أما الشح والبخل، فقال العسكري عنهما في «فروقه»: «قد يفرق بينهما بأن الشح: البخل مع حرص، فهو أشد من البخل». وقيل: الشح: اللؤم، وأن تكون النفس حريصة على المنع. وقد أضيف إلى النفس في قوله تعالى: (وأحضرت الأنفس الشح). لأنه غريزة فيها. وفي الحديث: «الشح أن ترى القليل سرفا، وما أنفقت تلفا». وفيه أيضا: «البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي الناس، وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام، ولا يقنع بما رزقه الله تعالى». وفيه أيضا: «لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا».
وقد بلغ الأمر بأسلافنا العرب، إلى اعتبار بعضهم؛ أن الكرم والبخل جينات وراثية، فأنشد، أبو محلم السعدي؛ أحد شيوخ الأدب العباسي، (ت 245 هـ):
إنا سألنا قومنا فخيارهم من كان أفضلهم أبوه الأول
أعطى الذي أعطى أبوه قبله وتبخلت أبناء من يتبخل
ووقف العرب على أن من طبائع النفوس أن تميل للجواد، فقال أبو الفتح البستي:
من جاد بالمال، مال الناس قاطبة إليه، والمال للإنسان فتان
والموفق المسدد، من فتن الناس بجوده، فالخلق عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعباده.
وفي الأثر: «السخي قريب من الله، قريب من الناس، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، ولسخي جاهل، أحب إلى الله من بخيل عابد».

البوم الصور